العلاقات الصينية - الجزائرية
بين ميكانزمات التحدي
وثبات المصالح المشتركة
جريدة المواطن |
علي مدار خمس
وخمسون سنة من الان،تمكنت الصين و الجزائر من تكوين علاقات ثنائية شكلت محورا هاما
في توحيد القرارات امام كثير من المقامات الدولية وثبات المصالح المشتركة بين
البلدين،بحيث تعود اول بداية تعاونية بين الطرفين،اثر اعتراف حكومة الصين الشعبية
كاول بلد غير عربي،بالحكومة الجزائرية المؤقتة سنة 1958 ابان الثورة التحريرية،التي جعلت من الجزائر تقيم مبدا رد
الجميل لكل من اعانها في ثورتها ضد الاستعمار الفرنسي سواء بصورة مادية او معنوية ،فكان
من ابرز ما اقدمت عليه بالمثل افتتاح مبادرة تساهمية من اجل استعادة الصين مكانتها
المركزية في الامم المتحدة عام 1997،ومنذ ذلك الحين تشهد العلاقات التعاونية بين
الصين و الجزائر تفتحا اكثر وتطورا في شتي المجالات السياسية و الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية.
وفي نفس السياق،تبقي وجهة مرجعية
القرارات بين دولة الصين والجزائر ضمن مختلف الروتوشات الدولية قائمة اساسا علي
التوحيد والمصالحة الوطنية من اجل بناء مواقف سيادية تحكمها بداخلها،وما يميز ايضا
دينامكية اتخاذ القرارات قبيل 50 سنة من قيام العلاقات الدبلوماسية بينهما هو
رمزية التعاون السياسي حول قضايا تهم "اصلاح الامم المتحدة وحقوق الانسان
ومكافحة الارهاب"،ناهيك عن تطبيق نظرية الوقوف دوما علي الحياد وتبني سياسة
عدم التدخل قي الشؤون الداخلية لدول الاخري،ورفض كل ما تجوز عليه الانظمة الراسمالية
لتمنح نفسها حق التدخل العسكري.
وعلما منا،فان العلاقات الثنائية بين
الصين و الجزائر قد خطة حطوة الي الامام محققة لاول مرة في التاريخ نموذجا ناجحا
بين الجنوب-جنوب،لتكون بعدها نقطة انطلاق جديدة لمثل هذا النوع من التعاونيات
التبادلية المشتركة التي تشمل دائرة قطب المناطق الافرو-اسيوية،دون غيرها من تلك
الاقطاب التقلدية التي جرت فيها الشراكة مسبقا بين الجزائر مع نظرتها الامريكية و
الاتحاد الاروبي.
ففي عام 2003 تعرضت ولاية
"بومرداس" وضواحيها بالجزائر الي زلزال بقوة 6.8 درجة علي سلم ريشتر،مما
اسفر عن سقوط ضحايا ووقوع خسائر مادية،كانت خلالها الصين من بين اوائل الدول التي
ساندة الجزائر في محنتها المليمة بها، بحيث ارسلت لها وفدا من الاطباء لتقديم
المساعدات الطيبية لانقاذ ارواح سكان المناطق التي لمسها تاثيرالزلزال، و علي غرار
ذلك من نفس السنة وقع للاسف بالمقاطعة الصينية" سيتشوان" هزة ارضية نتج
عنها اضرار بشرية ومادية ،فرافعت خلالها الجزائر روح تعازيها الي السلطات الصينية
ودعمها المالي بقيمة مليون دولار امريكي قصد تخفيف من وطئة العبئ المادي لها تجاه
ثقل النتائج الوخيمة التي تسبب فيها هذا الزلزال،مما يتضح علي ان هناك قمة
كبيرة من الثقة الاشتراكية المتبادلة من طرف الجانبين.
اما اقتصاديا،وعلاوة علي ذلك سعت
الجزائر عقب استقلالها الي البحث عن اسواق عالمية جديدة قصد التعامل معها لعل وعسي
منها ان تساهم في تطوير اقتصادها،بعيدا عن كل التبعيات الاقتصادية المرتبطة خصوصا
باقتصاد الاستعمار الفرنسي الذي ضل يتالبها بعد فترة استقلالها،لاسيما بعد ان
تمكنت بفضل سياسة الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" من تقليص حدة مديونية
الجزائرالخارجية واصبح لها اكبر احتياط مصرفي،خلق و مهد لها الطريق للبحث عن اسواق
جديدة بدلا عن تلك الاسواق القديمة،لتغيرمسارها بتجاه القارة الامريكة والاسيوية
وبالتحديد فوري الاستثمارات الصينية التي من شانها حسب تقدير المختصين
الاقتصادين،ان تصبح اكبر دولة اقتصادية في العالم.
وفد اقدمت الحكومة علي تدعيم
الاستثمارات الصينية الاقتصادية بالجزائر خاصة في مجال صناعة السيارات و الاجهزة
الالكترونية كالكمبيوتر والهواتف المحمولة،وهو ما اعتبرته الحكومة الصنية علي مدي
رغبة البلدين في تثمين الشراكة بينهما الي ابعد الحدود الممكنة، بحيث سمحت نوعا ما
الاستثمارات الصينية من تقليص الاحتكار الذي كان مقتصرا علي فئة معينة دون غيرها
من الطبقات الاجتماعية تجاه القدرة الشرائية لها بالجزائر،فمثلا شراء السيرات
واقتناء المواد الالكترونية كان محدودا،لكن دخول المنتوجات الصينية لسوق الجزائرية
ترك فسحت لجميع الفئات الطبقية الجزائرية باقتنائها وشرائها نتيجة انخفاض
تكاليفها،وهو اكبر خاصية تميزة بها العلاقات الاقتصادية الثنائية بين الصين
والجزائر.
واما اجتماعيا وثقافيا،فبرغم من بعد المسافة بالاف
الكيلومترات بينهما،الا ان الفضول وحب المعرفة بين شعبي البلدين دفعا بهما سويا
لكسر كل العقبات والحواجز الجغرافية والزمانية التي تقف ضدهما،فالصين اليوم ما
تزال فاتحة قلبها لمختلف التبعات العملية و الجامعية بالجزائر،في مقابل ذلك ايضا
هناك العديد من الصنيين يزاولون دراستهم في الجامعات الجزائرية ،ولاجل تكثيف
التعاون الثقافي فيما بينهما لجئتا الي تعليم وتلقين لغتيهما العربية والصينية معا
لابنائهما في المدارس التعليمية لكليهما،ما يدل علي ان هناك نسيج معرفي متبادل بين
الطرفين،يؤكد مدي محاولة مؤخرا كل من البلدين احياء تعاونهما الثقافي عبر اقامة
فعاليات الاسبوع الثقافي الصيني بمناسبة الذكري الخمسين لاقامة العلاقات
الدبلوماسية بين الصين والجزائر.
و ميدانيا بالتحديد في مجال السكن
والعمران،فان الجزائر تسعي للاستفادة من تجربة المؤسسات الصينية في انجاز البناءات
المضادة للزلازل نظرا لما يطال علي الجزائر من نشاطات زلزالية اصبحت تثير مخاوفها
منها،وانطلاقا من هذا تحاول الجزائر تاطيير عمال جزائريين متخصصين في مجال البناء
بكفاءة صينية،ودعم انتاج برامج سكن تتكفل بها هذه المؤسسات ،خصوصا وان الجزائر
مقبلت علي اكبر ثورة سكانية لاول مرة منذ الاستقلال فيما قيمته "مليون"
سكن في ايطار البرنامج الخماسي الذي سطره الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة".
ومن كل ما سبق تهتدي
العلاقات الصينية-الجزائرية الي ميكانزمات التحدي وثبات المصالح المشتركة التي
خلقت نوع من الحماسة التعاونية بين شعبي الطرفيين في كل من المحافل الدولية
والمناسبات الثقافية والتطورات الاقتصادية مكونة بذلك نموذجا فعالا وناجحا بين
الجنوب- جنوب تشكلت خلاله فتحات جديدة من التعاونيات الافرو-اسيوية في شتي
المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.بقلم : حداد بلال
يمكنكم الايطلاع علي المقال ايضا في جريدة "القدس العربي"
بعنوان اخر : التوجه الجزائري شرقا نحو الصين
بعنوان اخر : التوجه الجزائري شرقا نحو الصين
جريدة القدس العربي |